فصل: في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143:

في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ووجهه أن بهذا التاريخ كان انقراض فرقة القاسمية وظهور أمر الفقارية، وخلع السلطان أحمد من السلطنة وولية السلطان محمود خان ووالي مصر إذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية، نسبة إلى كبور بلد بالروم، وحضر إلى مصر في السنة الخالية وكان من أرباب الفضائل وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله وميله إلى الأدب، وكان إنسانا خيراً صالحاً منقاداً إلى الشريعة إبطل المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضاً عن ذلك في كل شهر كيساً من كشوفيات الباشاوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في رجوع ذلك. ووصل الأمر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود، وكان الوقت غير قابل لذلك، فعملوا شنكاً ومدافع بالقلعة.

.عزل عبد الله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي:

وعزل عبد الله باشا المذكور أواخر سنة أربع وأربعين ومائة وألف وأمراء مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش، وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبد الله كتخدا القازدغلي وسليمان كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا الداودية وعلي بك ذو الفقار وعثمان بك ذو الفقار خشداشة. ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا السلحدار، وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبد الله باشا إلى بيت شكريره وأستمر محمد باشا واليا على مصر إلى سنة ست وأربعين، ثم عزل وتولى عثمان باشا الحلبي ووصل المسلم بقائمقامية إلى علي بك ذي الفقار فطلع إلى الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا، ونزل إلى بيته وحضر إليه الأمراء وهنوه، وخلع علي إسمعيل بك أبي قلنج أمين السماط ووصل عثمان باشا إلى العريش، وتوجهت إليه الملاقاة وأرباب الخدم وحضر إلى العادلية وعملوا له شنكا وطلع إلى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وأبطال سكة الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة أنصاف، وكذلك سكة النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون، وزاد في الفندقلي الموجود بأيدي الناس أثني عشر نصف فضة، فصار يصرف بمائة نصف وستة وأربعين نصفاً، وحضر مرسوم أيضاً بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارة واليهود وما عليهم من الجزية في كل بلد العال أربعمائة نصف وعشرون نصفاً والوسط مائتان وسبعون والدون مائة. فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الأغا والكاتب من الأمراء الصناجق لتحرير بلاد قبلي، فقال حسين بك الخشاب: أنا مسافر بمنصب جرجا وينزل بصحبتي الأغا المعين وأنظروا من يذهب إلى بحري. فقال محمد بك قطامش: كل إقليم يتقيد بتحريره الكاشف المتولي عليه ومعه الأغا والكاتب فاتفق الرأي على ذلك.
وفي أيامه عمل إسمعيل بك بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده ودعا عثمان باشا إلى منزله الذي ببركة الفيل، وعندما حضر الباشا وأستقر به الجلوس وضع بين يديه منديلاً فيه ألف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم وأرباب الملاعيب، وقدم له تقادم خيول وهدايا وجودا مرختا وذلك في شعبان سنة 1147.
ومن الحوادث في أيامه أن في أوائل رمضان سنة تاريخه ظهر بالجامع الأزهر رجل تكروري وأدعى النبوة فأحضروه بين يدي الشيخ أحمد العماوي، فسأله عن حاله فأخبره أنه كان في شربين، فنزل عليه جبريل وعرج به إلى السماء ليلة سبع وعشرين رجب، وأنه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل ولما فرغ من الصلاة أعطاه جبريل ورقة وقال له أنت نبي مرسل، فأنزل وبلغ الرسالة وأظهر المعجزات. فلما سمع الشيخ كلامه قال له أنت مجنون فقال لسب بمجنون وأنما أنا نبي مرسل فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع. ثم سمع عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال مثل ما قاله للشيخ العماوي فأرسله إلى المارستان، فأجتمع عليه الناس والعامة رجالاً ونساء ثم أنهم أخفوه عن أعين الناس، ثم طلبه الباشا فسأله فأجابه بمثل كلامه الأول، فأمر بحبسه في العرقانة ثلاثة أيام، ثم أنه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول عن كلامه، فأمروه بالتوبة فأمتنع وأصر على ما هو عليه، فأمر الباشا بقتله فقتلوه بحوش الديوان وهو يقول: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ثم أنزلوه وألقوه بالرميلة ثلاثة أيام.

.من الحوادث الغريبة:

في أيامه أيضاً أن في يوم الأربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 أشيع في الناس بمصر بأن القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة، وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والأرياف، وودع الناس بعضهم بعضاً ويقول الإنسان لرفيقه: بقي من عمرنا يومان، وخرج الكثير من الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظاً ونودع الدنيا قبل أن تقوم القيامة. وطلع أهل الجيزة نساء ورجالاً وصاروا يغتسلون في البحر. ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم، ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي، وأعتقدوا ذلك، ووقع صدقه في نفوسهم. ومن قال لهم خلاف ذلك أو قال هذا كذب لا يلتفتون لقوله ويقولون هذا صحيح وقال فلان اليهودي فلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه. وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا، وفلان ذهب إلى الأمير الفلاني وأخبره بذلك وقال له أحبسني إلى يوم الجمعة، وأن لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج إلى يوم الجمعة المعين المذكور. فلم يقع شيء. ومضى يوم الجمعة وأصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال أن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم. فيقول الآخر: اللهم أنفعنا بهم فأننا يا أخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل حظاً ونحو ذلك من الهذيانات. وأقام عثمان باشا في ولاية مصر إلى سنة 1148 فكانت مدة ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة أشهر.

.ولاية باكير باشا:

وتولى بعده باكير باشا وهي ولايته الثانية، فقدم من جدة إلى السويس من القلزم، لأنه كان واليا عليها بعد انفصاله من مصر فقدم يوم السبت رابع عشري شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من أتباعه نحو الثلاثين خيالاً ملبسة بالزروخ المذهبة، وله من الأولاد خمسة ركبوا أماه في الموكب، وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الأخشا والمرادي والمقصوص والفندقلي، فإن الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي بأثنى عشر والمقصوص بثمانية جدد، وصار صرف القندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي بمائتين، وغلت بسبب ذلك الأسعار وصار الذي كان بالمقصوص بالديواني فلم يلتفت الباشا لذلك. في شهر القعدة ورد أغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة آلاف عسكري لمحافظة بغداد، وأن يكون العسكر من أصحاب العتامنة ولا يرسلوا عسكرا من فلاحي القليوبية والجيزة والبحيرة وشرق أطفيح والمنصورة، فقلدوا أمير السفر مصطفى بك اباظة حاكم جرجا سابقاً وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وأرتحل من العادلية في منتصف هر الحجة، وكان خروجه بالموكب في أوائل رجب. فأقام خارج القاهرة نحو خمسة أشهر وثمانية عشر يوماً وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان وأربعين.
وفي عاشر الحجة يوم الأضحية قبل آذان العصر، خرجت ريح سوداء غربية أظلمت منها الدنيا وحجبت نور الشمس، فغرق منها مراكب وسقطت أشجار ومن جملتها شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ، فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة بديوان مصر القديمة، ثم أعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك أمير سفر العجم وطلع إلى الديوان ألبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة وأصحاب الدركات وكانت مدة غيابه سنتين وثلاثة أشهر.
وفي أيامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها أبطال مرتبات الأولاد والعيال، ومنها أبطال التوجيهات، وأن المال يقبض إلى الديوان ويصرف من الديوان، وأن الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الأفندية إلى بيوتهم. فلما قرئ ذلك قال القاضي أمر السلطان لا يخالف ويجب أطاعته. فقال الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الإسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد وأسبلة ولا يجوز أبطال ذلك وإذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك، فلا يجوز لأحد يؤمن بالله ورسوله أن يبطل ذلك وأن أمر ولي الأمر بأبطاله لا يسلم له ويخالف أمره، لأن ذلك مخالف للشرع ولا يسلم للأمام في فعل ما يخالف الشرع ولا لنائبه أيضاً. فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج إلى المراجعة ثم قال الشيخ سليمان: وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح وأمر في محله، وانفض الديوان على ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضاً في شأن المرتبات من إنشائه ولولا خوف الإطالة أسطرته في هذا المجموع، ثم أنهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك، فجعلوا على كل عثماني نصف جنزرلي وحضروا المرتبات في قائمقامية إبراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك وقطامش وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية وأربعين ألف عثماني، فكانت أربعة وعشرين ألف جنزرلي، فقسموها بينهم وأرسلوا إلى عثمان بك ورضوان بك ألف جنزرلي فأبيا من قبولها، وقالا هذه دموع الفقراء والمساكين فلا نأخذ منها شيئاً، فإن رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة، وأن جاء بعدم القبول كانت مظلمتين.

.الطاعون:

ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى أيضاً الفصل العائق يأخذ على الرائق، ومات به كثير من الأعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا الغازدغلي فقط مائة وعشرون نفساً، وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في المشاعل. ووقع في أيامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الأمراء، وسببها أن صالح كاشف زوج هانم بنت إيواظ بك كان ملتجئاً إلى عثمان بك ذي الفقار، وتزوج ببنت إيواظ بك بعد يوسف بك الخائن، وكان من القاسمية فحرضته على طلب الإمارة والصنجقية وتأخذ له فائظ عشرين كيساً، وكلم عثمان بك في شأن ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد بك قيطاس المعروف بقطامش، وهو إذ ذاك كبير القوم في ذلك، فلم يجبه وقال له: تريد أن تفتح بيتاً للقاسمية فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون أبداً ما دمت حياً. وكان عثمان بك المذكور أخذ كشوفية المنصورة فانزل فيها صالح كاشف قائمقام، فلما كمل السنة ورجع تحركت الهمة إلى طلب الصنجقية، وعاود عثمان بك في الخطاب، وهو كذلك تكلم مع محمد بك، فصمم على الامتناع فوقع على الأغوات والاختيارية فلم يجب ولم يرض ووافقه على الأمتناع علي بك تابع المذكور وخليل أفندي، فذهب صالح كاشف إلى عثمان كتخدا القازدغلي وأتفق معه على قتل الثلاثة، وقال له: أعمل تدبير في قتلهم فذهب إلى رضوان بك أمير الحاج سابقاً وسليمان بك الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة في بيت محمد بك الدفتر دار باطلاع باكير باشا. وعرفوا محمد بك بذلك، فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت الدفتر دار بسبب الحلوان والخزينة. فركبوا بعد العصر إلى بيت محمد بك قطامش وركبوا معه إلى بيت الدفتر دار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل أفندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي واختيار من الأسباهية ويوسف كتخدا البركاوي، وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي الترجمان. فلما تكاملت الجمعية أمر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال وقال للكاتب أكتب كذا وكذا، فطلعة إلى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا وجلس يكتب في العرض وقد قرب الغروب فأرادوا الانصراف، فوقف الدفتر دار وقال: هاتوا شربات. وكان ذلك القول هو الإشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك. ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون السلاح. فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال: هي خونة، فضربه الضارب بالقرابينة في صدره، ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام الوقت، فلم يعلم القاتل من المقتول، وعندما سمع كتخدا الجاويشية أول ضربة وهو جالس مع الأفندي الكاتب نزل مسرعاً وركب، وعلي الترجمان ألقى بنفسه من شباك الجنينة، وعثمان بك ذو الفقار أصابه سيف فقطع شاشه وقاووقه، ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه إلى أسفل، وركب حصان بعض الطوائف وخرج من باب البركة، وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة قوية، فأرسلوه إلى منزله ومات بعد ثلاثة أيام. ثم أوقدوا الشموع وتفقدوا المقتولين وإذا هم محمد بك قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي ويوسف كتخدا البركاوي وخليل أفندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والأسباهي تتمة عشرة وباش اختيار الذي مات بعد ذلك في بيته. فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم وأتوا بهم جامع السلطان حسن فوجدوه مغلوقاً فأحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق السلاح ووضعوا الرؤوس العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئاً من التبن، وظنوا أنهم غالبون. وطلع صالح كاشف إلى الباشا من باب الميدان فخلع عليه الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين إليه، فقال له: أنزل لأشغالك وأنا أرسل إليك ما تطلب. فنزل إلى السلطان حسن فوجد محمد كتخدا الداودية حضر باتباعه وجماعته هناك بظن أنهم غالبون، وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب في جماعة بعد المغرب وطلع إلى باب العزب، وكان كتخدا الوقت إذ ذاك أحمد كتخدا إشراق يوسف كتخدا البركاوي، فطرق الباب فقال التفكجية: من هذا؟ فعرفهم عن نفسه، فقال الكتخدا: قولوا له: أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وأن الباب لا يفتح بعد الغروب، فإن كان له حاجة يأتي في الصباح. وأما عثمان بك فإنه لما خرج من باب البركة وشاشه مقطوع لم يزل سائر إلى باب الينكجرية فوجده ملآن جاويشية وواجب رعايا ونفر، وطلع عندهم عمر جلبي بن علي بك قطامش فأخذه حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به إلى الباشا بعد نزول صالح كاشف، فخلع عليه صنجقية أبيه وأعطاه فرماناً بالخروج من حق الذين قتلوا الأمراء وحرقوا باب المسجد ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش النجدلي ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية وبيت الحصري وزاوية الرفاعي. وكانت ليلة مولده وهي أول جمعة في شهر رجب سنة 1149 فعملوا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا عليها بالرصاص، وكذلك من باب العزب وبيت الأغا وكان أغات العزب عبد اللطيف أفندي روزنامجي مصر سابقاً. وأما صالح بك فإنه أنتظر وعد الباشا فلم يرسل له شيئاً فاخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا في خان الخليلي واختفى أيضاً محمد بك إسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم على ما فعل، فركب بجماعته وذهب إلى بيت مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولاً. فطرق الباب فلم يجبه أحد، فذهب إلى بيت إبراهيم بك بلغيه ودخل هناك،ولما بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحداً، ولما طلع النهار ذهبوا إلى بيت الدفتر دار فنهبوه ونهبوا أيضاً بيت رضوان بك وذهبوا إلى سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا إلى الباب. ثم أن السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي وقالوا له: أنت بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئاً إلا باطلاعك، وعندك خبر بقتل أمرائنا وأعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب بطائفته، يملك باب العزب، فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك، ولا بمجيء سليمان كتخدا إلى الباب، ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا الداودية إلى السلطان حسن. ثم أنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا عليه حلوان بلاد المقتولين، وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار. فحضر مصطفى أغا أمير أخور كبير ومعه مرسوم من الدولة بضبط متروكات المقتولين فمكث بمصر شهرين، ثم ورد أمر بولايته على مصر وتوجيه باكير باشا إلى جدة.

.تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي:

فتولى مصطفى باشا فأقام والياً بمصر إلى سنة 1152، وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما أستقر في ولاية مصر أراد إيقاع فتنة بين الأمراء فضم إليه عمر بك ابن علي بك قطامش فأرسل إليه من يأمنه على سره، واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي، وهم إذ ذاك أصحاب الرياسة بمصر. ووعده نظير ذلك إمارة مصر والحاج وأن يعطيه من بلادهم فائظ عشرين كيساً، فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان وإبراهيم جاويش قازدغلي واختلى بهم وعرفهم بالمقصود، وتكفل أحمد بقتل علي كتخدا وخليل أغا بعثمان بك وإبراهيم جاويش بعبد الله كتخدا. وإذا انفرد إبراهيم بك أخذوه بعد ذلك بحيلة وقتلوه في الديوان. ثم أن أحمد كتخدا أغرى بعلي كتخدا الاظ إبراهيم فقتل علي كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع إلى الديوان، وبلغ الخبر عثمان بك فتدارك الأمر وفحص عن القضية حتى أنكشف له سرها وعمل شغله وقتل أحمد كتخدا. وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد، فأراد أن يملك باب الينكجرية بحيلة، وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم مستعدون بالأسلحة، فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من أعيانهم يسألهما عن مرادهم. فقالا: أن الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا علائفنا. فأرسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية والوصية بهم، فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده. ثم أن حسين بك الخشاب طلع إلى باب العزب وتحيل في نزول أحمد كتخدا من الباب وملك هو الباب. واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول إلى قصر يوسف. فركب وأراد أن يدخل إلى باب الينكجرية فرفعوا عليه البنادق فدخل إلى قصر يوسف فوجده خراباً فأخذ حسن جاويش النجدلي خاطر الينكجرية على نزوله ببيت الأغا، وانتقل الأغا إلى السرجي فأقام الباشا إلى أن نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر إلى شهر جمادى الأولى سنة 1153.

.تولية الوزير علي باشا:

ثم تولى بعده الوزير علي باشا حكيم أوغلي وهي توليته الأولى بمصر فدخل مصر في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين ومكث إلى عاشر جمادى الأولى سنة 1154، ونزل سليمان باشا إلى بيت البيرقدار وعمل علي باشا أول ديوان بقراميدان، بحضرة الجم الغفير، وقرئ مرسوم الولاية بحضرة الجميع. ثم قال الباشا أنا لم آت إلى مصر لأجل إثارة فتن بين الأمراء وأغراء ناس على ناس، وإنما أتيت لأعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان أعطاني المقاطعات وأنا أنعمت بها عليكم، فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم حجة بذلك. وأنفض المجلس. ثم أنه سلم على الشيخ البكري وقال له: أنا بعد غد ضيفك ثم ركب وطلع إلى السراية وأرسل إلى الشيخ البكري هدية وأغناماً وسكراً وعسلاً ومربات ونزل إليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي في بيته، وكان له فيه اعتقاد عظيم لرؤيا منامية رآها في بعض سفراته منقولة عنه مشهورة. وكانت أيامه أمنا وأمانا والفتن ساكنة والأحوال مطمئنة. ثم عزل ونزل إلى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق وقصر العيني.

.تولية يحيى باشا:

ثم تولى يحيى باشا ودخل إلى مصر وطلع إلى القلعة في موكبه على العادة وطلع إليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي باشا بالقصر، ودعاه عثمان بك ذو الفقار وعمل له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا، ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم أن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء في دعوة وإنما كان الأمراء يعملون لهم الولائم بالقصور في الخلاء مثل قصر العيني أو المقياس. وأقام يحيى باشا في ولاية مصر إلى أن عزل في عشرين شهر رجب سنة 1156.

.تولية محمد باشا اليدكشي:

وتولى بعده محمد باشا اليدكشي وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعة وفي أيامه كتب فرمان بأبطال شرب الدخان في الشوارع وعلى الدكاكين وأبواب البيوت. ونزل الأغا والوالي فنادوا بذلك، وشددوا في الأنكار والنكال بمن يفعل ذلك من عال أو دون، وصار الأغا يشق البلد في التبديل كل يوم ثلاث مرات. وكل من رأى في يده آلة الدخان عاقبه، وربما أطعمه الحجر الذي يوضع فيه الدخان بالنار، وكذلك الوالي.
وفي أيامه أيضاً قامت العسكر بطلب جراياتهم وعلائفهم من الشون ولم يكن بالشون أردب واحد، فكتب الباشا فرماناً بعمل جمعية في بيت علي بك الدمياطي الدفتر دار وينظروا الغلال في ذمة أي من كان يخلصونها منه. فلما كان في ثاني يوم أجتمعوا وحضر الروزنامجي وكاتب الغلال والقلقات وأخبروا أن بذمة إبراهيم بك قطامش أربعين ألف أردب، والمذكور لم يكن في الجمعية وأنتظروه فلم يأت. فأرسلوا له كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة فامتنع من الحضور في الجمهور، وقال: الذي له عندي حاجة يأتي عندي، فرجعوا وأخبروهم بما قال. فقال العسكر: نذهب إليه ونهدم بيته على دماغه، فقام وكيل دار السعادة وأخذ معه من كل بلك اثنين اختيارية وذهبوا إلى إبراهيم بك قطامش. فقال له الوكيل: أي شيء هذا الكلام والعسكر قائمة على اختياريتها؟ قال: والمراد أي شيء وليس عند غلال. قال له الوكيل: نجعلها مثمنة بقدر معلوم. فثمنوا القمح بستين نصف فضة الأردب والشعير بأربعين. فقال إبراهيم بك: يصبروا حتى يأتيني شيء من البلاد. قال الوكيل: العسكر لا يصبروا ويحصل من ذلك أمر كبير. فجمعوا مبلغ اليكون فبلغ ثمانين كيساً، فرهن عند الوكيل بلدين لأجل معلوم. وكتب بذلك تمسك وأخذ التقاسيط ورجع الوكيل إلى محل الجمعية وأحضر مبلغ الدراهم وكل من كان عليه غلال أورد بذلك السعر، وهذه كانت أول بدعة ظهرت في تثمين غلال الأنبار للمستحقين. واستمر محمد باشا في ولاية مصر حتى عزل سنة 1158.

.تولية محمد باشا راغب:

ووصل مسلم (محمد باشا راغب) وتقلد إبراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه محمد باشا القفطان وعلى محمد بك أمين السماط. ثم ورد الساعي من الإسكندرية فأخبر بورود حضر محمد باشا راغب إلى ثغر الإسكندرية، فنزل أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته إلى مصر، وطلع إلى القلعة وحصل بينه وبين حسين بك الخشاب محبة ومودة، وحلف له أنه لا يخونه، ثم أسر إليه أن حضرة السلطان يريد قطع بيت القطامشة والدمايطة، فأجاب إلى ذلك. واختلى بإبراهيم جاويش وعرفه بذلك، فقال له الجاويش: عندك توابع عثمان بك قرقاس وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في الديوان. فقال له يحتاج أن يكون صحبتهم أناس من طرفك، وإلا فليس لهم جسارة على ذلك. فقال له: أنا أتكلم مع عثمان أغا أبي يوسف بطلب شرهم لأنه من طرفي. فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو الفقار وجماعته وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في أثرهم خليل بك أمير الحاج وعمر بك بلاط، جلسوا بجانب المحاسبة، فحضر عثمان أغا المتفرقة عند خليل بك فقال له: لماذا لم تدخل عند الباشا. فقال له: تركناه لك. فقال: كأني لم أعجبك. واتسع بينهما الكلام فسحب أبو يوسف النمشة وضرب خليل بك، وإذا بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط. قتلوه ودخلوا برأسيهما إلى الباشا، فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا إلى نوبة الجاويشية، فأرسل الباشا للاختيارية يقول لهم أنهما مطلوبان للدولة. وأخذهما وقطع رأسيهما أيضاً. وكتبوا فرمانا إلى الصناجق والأغوات واختيارية السبع وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع إلى إبراهيم بك وعمر بك وسليمان بك الألفي، وكان سليمان بك دهشور مسافراً بالخزينة. فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قيطرة سنقر، فحمل الثلاثة أحمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم إلى جهة قبلي، ودخل العساكر إلى بيت إبراهيم بك فنهبوه، وكذلك بيت خليل بك، وذهبوا إلى بيت علي بك فوجدوا فيه صنجقياً من الصناجق ملكه بما فيه، ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع الأزهر، ورفعوا صنجقية محمد بك صنجق ستة وماتت ستة أيضاً، وذهب إلى طندتا وعمل فقيراً بضريح سيدي أحمد البدوي. ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم، رفعوا صنجقيته وأمروه بالأقامة برشيد، وقلدوا عثمان كاشف صنجقية، وكذلك كجك أحمد كاشف، وقلدوا محمد بك أباظة أشراق حسين بك الخشاب دفتر دار مصر. وأنقضت تلك الفتنة. ثم أن الباشا قال لحسين بك الخشاب: مرادي أن نعمل تدبيرا في قتل إبراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير أنت مقدام مصر وعظيمها. فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا وسليمان بك مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف، ودار القال والقيل، وسعت المنافقون، وعلم إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد بهما. فحضر إبراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وأمتلأ باب الينكجرية وباب العزب بالعسكر والأوده باشيه وأجتمعت الصناجق والأغوات السبعة في سبيل المؤمن والأسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا بالركوب على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المقاسيد أعداءنا وقصده قطعنا. فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا وطلبوا منه فرمانا بذلك، فقال الباشا: رجل نفذ أمر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم ينكسر عليه مال ولا غلال، كيف أعطيكم فرمانا بقتله؟ الصلح أحسن ما يكون. فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا، فأرسلوا له من كل بلك اثنين اختيارية بالعرضحال، وقالوا لهم: أن أبي قولوا له ينزل ويولي قائمقام ونحن نعرف خلاصنا مع بعضنا. فنزل بكامل أتباعه من قراميدان، ولما صار في الرميلة أراد أن ينزل علي شيخون إلى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه، وإذا بالعزب المرابطين في السلطان حسن ردوه بالنار، فقتل أغا من أغواته فنزل على بيت آقبردي إلى بيت ذي عرجان تجاه المظفر، فأرسلوا له إبراهيم بك بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان القائمقامية، ورجع إلى بيته، وأخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية الصليبة. وسارت الصناجق يقدمهم عمر بك أمير الحاج ومحمد بك الدالي وإبراهيم بك بلغيه ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك أبو سيف وأحمد بك ابن كجك محمد وإسمعيل بك جلفي وعثمان بك وأحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان كتخدا قازدغلي، وأحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الأربع جهات. فحارب بالبندق من الصبح إلى الظهر، حتى وزع ما يعز عليه وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين، وذهب إلى جهة الصعيد فدخل العسكر إلى بيته. فلم يجدوا فيه شيئا ولا الحريم. وهرب أيضاً إبراهيم بك قيطاس إلى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق هربوا إلى أرض الحجاز، وكان ذلك أواخر سنة 1161. فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا، ثم سار إلى الديار الرومية وتولى الصدارة. وكان إنساناً عظيماً عالماً محققاً، وكان أصله رئيس الكتاب، وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وقاته والله أعلم. زندار عثمان كتخدا قازدغلي، وأحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الأربع جهات. فحارب بالبندق من الصبح إلى الظهر، حتى وزع ما يعز عليه وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين، وذهب إلى جهة الصعيد فدخل العسكر إلى بيته. فلم يجدوا فيه شيئا ولا الحريم. وهرب أيضاً إبراهيم بك قيطاس إلى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق هربوا إلى أرض الحجاز، وكان ذلك أواخر سنة 1161. فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا، ثم سار إلى الديار الرومية وتولى الصدارة. وكان إنساناً عظيماً عالماً محققاً، وكان أصله رئيس الكتاب، وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وقاته والله أعلم.